أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 24 أكتوبر : البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى ، للدكتور محروس حفظي

البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى

 

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 24 أكتوبر 2025م بعنوان : البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 2 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 24 أكتوبر 2025م.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 أكتوبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى .

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 أكتوبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 أكتوبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

عناصر خطبة الجمعة القادمة 24 أكتوبر 2025م بعنوان: البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى ، للدكتور محروس حفظي :

 

  • مَفْهُومُ الْبِيئَةِ، وَضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا.
  • عِمَارَةُ الْبِيئَةِ” مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ.
  • آلِيَّاتُ الْحِفَاظِ عَلَى الْبِيئَةِ فِي الْإِسْلَامِ.
  • خُطُوَاتٌ عَمَلِيَّةٌ لِلْحِفَاظِ عَلَى الْبِيئَةِ.

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 24 أكتوبر 2025م بعنوان: البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

 البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى

بِتَارِيخِ 2 جمادي الأولي 1447 ه‍ = المُوَافِقِ 24 أكتوبر 2025 م

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ، وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، لَكَ الحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ، وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلَانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ،،،

(1) الْبِيئَةُ، وَضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا: هِيَ الْمَكَانُ الَّذِي يَسْكُنُ فِيهِ الْإِنْسَانُ، وَيُؤَثِّرُ فِيهِ، وَيَتَأَثَّرُ بِهِ، وَتَشْمَلُ مَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ عَلَى مُقَوِّمَاتِ الْحَيَاةِ الطَّبِيعِيَّةِ كَالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ، وَكَذَا غَيْرِ الطَّبِيعِيَّةِ كَالَّذِي يَسْتَحْدِثُهُ الْإِنْسَانُ، وَيَتَدَخَّلُ فِيهِ بِيَدِهِ.

وَقَدْ أَوْجَدَ اللهُ الْبِيئَةَ عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ، وَهَيَّأَهَا عَلَى أَفْضَلِ صُورَةٍ عَرَفَهَا الْإِنْسَانُ {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88].

فَيَأْتِي الْخِطَابُ الْقُرْآنِيُّ مُوَجَّهًا لِلْإِنْسَانِيَّةِ جَمِيعًا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَعَدَمِ تَبْدِيدِ ثَرَوَاتِهَا، وَالْعَمَلِ عَلَى تَحْسِينِ مُقَدَّرَاتِهَا حَتَّى يَصِلَ الْإِنْسَانُ بِهَا إِلَى أَوْجِ التَّقَدُّمِ وَالْحَضَارَةِ وَالْمَدَنِيَّةِ {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56].

وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَنَّ مَادَّةَ «فَسَدَ» بِجَمِيعِ مُشْتَقَّاتِهَا قَدْ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ خَمْسِينَ مَرَّةً.

وَقَدِ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْإِفْسَادِ فِي الْبِيئَةِ بِأَيِّ صُورَةٍ أَوْ وَسِيلَةٍ كَانَتْ. فَهَذَا نَبِيُّ اللهِ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْهَى قَوْمَهُ قَائِلًا: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [الشعراء: 151-152].

وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يُخَاطِبُ أَخَاهُ هَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَائِلًا: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142].

إِنَّ الْإِنْسَانَ مُسْتَخْلَفٌ عَلَى الْبِيئَةِ وَمَا فِيهَا {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30].

وَهَذِهِ الْخِلَافَةُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَسْؤُولِيَّةٌ جَسِيمَةٌ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ» [رواه مسلم].

وَلِهَذَا جَعَلَ اللهُ الْإِفْسَادَ فِي الْبِيئَةِ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205].

(2) عِمَارَةُ الْبِيئَةِ” مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشُورٍ: (مِنْ أَكْبَرِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الِانْتِفَاعُ بِالثَّرْوَةِ الْعَامَّةِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ عَلَى وُجُوهٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ رَعْيِ الْمَنْفَعَةِ الْعَامَّةِ وَرَعْيِ الْوِجْدَانِ الْخَاصِّ، وَذَلِكَ بِمُرَاعَاةِ الْعَدْلِ مَعَ الَّذِي كَدَّ لِجَمْعِ الْمَالِ وَكَسْبِهِ، وَمُرَاعَاةِ الْإِحْسَانِ لِلَّذِي بَطَّأَ بِهِ جُهْدُهُ، وَهَذَا الْمَقْصِدُ مِنْ أَشْرَفِ الْمَقَاصِدِ التَّشْرِيعِيَّةِ) أ.ه. [التحرير والتنوير].

اللهُ عِنْدَمَا طَلَبَ مِنَ الْإِنْسَانِ أَنْ يُعَمِّرَ الْبِيئَةَ لَمْ يَتْرُكْهُ تَائِهًا مُتَخَبِّطًا، بَلْ وَفَّرَ لَهُ الْمُقَوِّمَاتِ الَّتِي تَتَمَثَّلُ فِي أَمْرَيْنِ:

الأَوَّلُ: الإِمْكَانَاتُ وَالْوَسَائِلُ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ عِمَارَةِ الأَرْضِ حَيْثُ سَخَّرَ لَهُ كُلَّ مَا فِي الْكَوْنِ {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13]، {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 14].

الثَّانِي: الْقُدْرَةُ الْعَقْلِيَّةُ الَّتِي تَجْعَلُهُ قَادِرًا عَلَى الِاسْتِفَادَةِ مِنْ هَذِهِ الثَّرَوَاتِ وَهَذِهِ الْإِمْكَانَاتِ.

(3) آلِيَّاتُ الْحِفَاظِ عَلَى الْبِيئَةِ فِي الْإِسْلَامِ:

أَوَّلًا: ضَرُورَةُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَوَارِدِ الْمَائِيَّةِ:

جَعَلَ اللهُ عَنَاصِرَ تَكْوِينِ الْبِيئَةِ حَقًّا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْبَشَرِ جَمِيعًا كَيْ يَسْتَفِيدُوا مِنْهَا؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «ثَلَاثٌ لَا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ، وَالْكَلَأُ، وَالنَّارُ» [رواه ابن ماجه].

وَعَنْ أَبِي خِدَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» [رواه أحمد].

أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ ضَرُورَةَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى تِلْكَ الْعَنَاصِرِ الَّتِي خَلَقَهَا؛ لِاسْتِدَامَةِ الْحَيَاةِ، وَإِبْقَاءِ التَّوَازُنِ عَلَى الْأَرْضِ دُونَ أَنْ يُعَرِّضَهَا لِلضَّرَرِ الَّذِي يَتْرُكُ تَأْثِيرًا مُبَاشِرًا عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ؛ فَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» [رواه ابن ماجه].

وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّغَوُّطِ تَحْتَ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ، وَالتَّبَوُّلِ فِي الْمِيَاهِ الرَّاكِدَةِ بَلْ وَالْجَارِيَةِ، وَكَذَا عَلَى الطُّرُقَاتِ حِمَايَةً لِلْبِيئَةِ؛ لِأَنَّ الْمِيَاهَ الرَّاكِدَةَ مَرْتَعٌ خَصِبٌ لِلْمِيكْرُوبَاتِ وَالْجَرَاثِيمِ.

وَقَدْ أَثْبَتَتِ الْأَبْحَاثُ أَنَّ الْبَكْتَرِيَا وَالْجَرَاثِيمَ تَنْتَقِلُ عَنْ طَرِيقِ الْمِيَاهِ الْمُلَوَّثَةِ؛ مِثْلَ: الْكُولِيرَا، وَالتِّيفُويد، وَالْبِلْهَارْسِيَا، وَالْتِهَابِ الْكَبِدِ الْوِبَائِيِّ، وَشَلَلِ الْأَطْفَالِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الطُّفَيْلِيَّاتِ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» [متفق عليه].

قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: (النَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ…، وَأَمَّا الرَّاكِدُ الْقَلِيلُ: فَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ، وَيُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ، وَيَغُرُّ غَيْرَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ…، وَيُكْرَهُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ؛ لِعُمُومِ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَرَازِ فِي الْمَوَارِدِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْمَارِّينَ بِالْمَاءِ، وَلِمَا يُخَافُ مِنْ وُصُولِهِ إِلَى الْمَاءِ) أ.ه. [شرح النووي على مسلم 3/188].

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ»، قَالُوا: وَمَا اللَّاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ» [رواه أبو داود].

قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: (مَعْنَاهُ يَتَغَوَّطُ فِي مَوْضِعٍ يَمُرُّ بِهِ النَّاسُ…، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ فِي الظِّلِّ وَالطَّرِيقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَتَنْجِيسِهِ، وَاسْتِقْذَارِهِ). أ.ه. [شرح النووي على مسلم].

وَقَالَ الدَّهْلَوِيُّ: (وَحِكْمَةُ النَّهْيِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُغَيِّرَ الْمَاءَ بِالْفِعْلِ، أَوْ يُفْضِيَ إِلَى التَّغْيِيرِ بِأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ فَيَتَتَابَعُوا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللَّاعِنَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُسْتَبْحِرًا أَوْ جَارِيًا، وَالْعَفَافُ أَفْضَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ) أ.ه.

وَمِنْ أَوْجُهِ الْحِمَايَةِ أَيْضًا: تَحْدِيدُ أَمَاكِنَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالتَّبَوُّلِ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «إِنِّي كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا» [رواه أبو داود].

ثَانِيًا: التَّرْشِيدُ الْعَامُّ، وَحُرْمَةُ الْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ فِي اسْتِخْدَامِ مَوَارِدِ الْبِيئَةِ: حَذَّرَ الْقُرْآنُ الْمَجِيدُ مِنَ الْإِسْرَافِ فِي مَوَارِدِ الْبِيئَةِ الَّتِي هِيَ مِلْكٌ لِلْجَمِيعِ، قَالَ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].

وَالْخِطَابُ هُنَا يَرْتَفِعُ أَنْ يُوَجَّهَ لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ، فَخَاطَبَ جَمِيعَ الْبَشَرِ.

الْإِنْسَانُ مُسْتَأْمَنٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَمَأْمُورٌ بِاسْتِثْمَارِ خَيْرَاتِهَا، وَعِمَارَتِهَا، قَالَ تَعَالَى:

{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].

قَالَ الْإِمَامُ الزَّمَخْشَرِيُّ: (أَمَرَكُمْ بِالْعِمَارَةِ، وَالْعِمَارَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إِلَى وَاجِبٍ وَنَدْبٍ وَمُبَاحٍ وَمَكْرُوهٍ، وَكَانَ مُلُوكُ فَارِسَ قَدْ أَكْثَرُوا مِنْ حَفْرِ الْأَنْهَارِ، وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَعَمَّرُوا الْأَعْمَارَ الطِّوَالَ، مَعَ مَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ عَسْفِ الرَّعَايَا، فَسَأَلَ نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ زَمَانِهِمْ رَبَّهُ عَنْ سَبَبِ تَعْمِيرِهِمْ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ: إِنَّهُمْ عَمَرُوا بِلَادِي فَعَاشَ فِيهَا عِبَادِي) أ.ه. [الكشاف].

وَإِعْمَارُهَا لَنْ يَتَحَقَّقَ إِلَّا بِالْحِفَاظِ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ مُقَدَّرَاتٍ، وَهَذَا يَفْرِضُ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا تَصَرُّفَ الْأَمِينِ، وَأَنْ يَتَعَامَلَ مَعَهَا بِرِفْقٍ مِنْ أَجْلِ مُسْتَقْبَلِهِ وَمُسْتَقْبَلِ الْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ خَلَقَهَا مِنْ أَجْلِهِ، وَسَخَّرَهَا لِخِدْمَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ.

تَطْبِيقًا لِقَاعِدَةِ “دَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ”: فَإِذَا كَانَ اسْتِغْلَالُ مَوَارِدِ الْبِيئَةِ يُحَقِّقُ مَنْفَعَةً ذَاتِيَّةً وَمُؤَقَّتَةً لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ، مِمَّا يَتَسَبَّبُ فِي اسْتِنْزَافِ هَذِهِ الْمَوَارِدِ، فَلَا يُسْمَحُ بِهِ؛ مَرَاعَاةً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ.

حِمَايَةُ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ قِوَامُ الْحَيَاةِ: يَنْبَغِي الْحِفَاظُ عَلَى الْمِيَاهِ مِنَ الْهَدْرِ وَالضَّيَاعِ، وَالِاسْتِعَانَةُ بِتِقْنِيَّةِ التَّرْشِيدِ فِي الْبُيُوتِ، وَالِاسْتِفَادَةُ مِنَ الْمِيَاهِ الْمُسْتَخْدَمَةِ فِي الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ فِي سَقْيِ الْمَزْرُوعَاتِ وَالْمُسْطَحَاتِ، فَالْأُمَمُ تَحْفَظُ مَجْدَهَا بِرِعَايَةِ مَوَارِدِ الْبِيئَةِ الطَّبِيعِيَّةِ.

وَلِذَا اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى “كَرَاهِيَةِ الْإِسْرَافِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ”:

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: (وَأَمَّا آدَابُ الْوُضُوءِ: فَمِنْهَا: أَنْ لَا يُسْرِفَ فِي الْوُضُوءِ، وَلَا يُقَتِّرَ، وَالْأَدَبُ فِيمَا بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ؛ إِذِ الْحَقُّ بَيْنَ الْغُلُوِّ وَالتَّقْصِيرِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا») أ.ه. [بدائع الصنائع].

وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ: (وَقِلَّةُ الْمَاءِ مِنْ أَحْكَامِ الْغُسْلِ سُنَّةٌ، وَالسَّرَفُ مِنْهُ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ) أ.ه. [الرسالة].

ثَالِثًا: الْحَثُّ عَلَى اسْتِصْلَاحِ الْأَرْضِ الْجَدْبَاءِ، وَتَعْمِيرِهَا بِكُلِّ وَسِيلَةٍ مُمْكِنَةٍ: هِيَ مَصْدَرُ الْغِذَاءِ، وَأَسَاسُ الْمَوَادِّ الْخَامِّ لِلصِّنَاعَةِ، لَكِنْ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى دِرَاسَةٍ، وَحُسْنِ اسْتِغْلَالٍ، فَحِينَئِذٍ تَحْصُلُ الْخَيْرَاتُ، وَتَأْتِي الْبَرَكَاتُ.

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا، فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ» [رواه مسلم].

حَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَرَغَّبَ فِيهَا، وَجَعَلَ ذَلِكَ صَدَقَةً؛ فَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ» [رواه مسلم].

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: (وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ وَالْحَضُّ عَلَى عِمَارَةِ الْأَرْضِ، وَأَجْرُ ذَلِكَ يَسْتَمِرُّ مَا دَامَ الْغَرْسُ أَوِ الزَّرْعُ مَأْكُولًا مِنْهُ، وَلَوْ مَاتَ زَارِعُهُ أَوْ غَارِسُهُ، وَلَوِ انْتَقَلَ مُلْكُهُ إِلَى غَيْرِهِ).

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: (نَكَّرَ “مُسْلِمًا”: وَأَوْقَعَهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَزَادَ “مِنْ” الِاسْتِغْرَاقِيَّةَ، وَعَمَّ الْحَيَوَانَ؛ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ أَيَّ مُسْلِمٍ كَانَ، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُطِيعًا أَوْ عَاصِيًا، يَعْمَلُ أَيَّ عَمَلٍ مِنَ الْمُبَاحِ، يَنْتَفِعُ بِمَا عَمِلَهُ أَيُّ حَيَوَانٍ، كَانَ يَرْجِعُ نَفْعُهُ إِلَيْهِ، وَيُثَابُ عَلَيْهِ). أ.ه. [فتح الباري].

وَعَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا» [رواه البخاري في الأدب المفرد].

يَقُولُ الْإِمَامُ الْمُنَاوِيُّ: «وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي الْحَثِّ عَلَى غَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَحَفْرِ الْأَنْهَارِ؛ لِتَبْقَى هَذِهِ الدَّارُ عَامِرَةً إِلَى آخِرِ أَمَدِهَا الْمَعْلُومِ عِنْدَ خَالِقِهَا، فَكَمَا غَرَسَ لَكَ غَيْرُكَ فَانْتَفَعْتَ بِهِ، فَاغْرِسْ لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَكَ لِيَنْتَفِعَ».

وَإِعْمَارُ الْأَرْضِ الْمُهْمَلَةِ فِيمَا يُعْرَفُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِـ “إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ”:

فَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» [رواه الترمذي وحسنه].

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ»، قَالَ عُرْوَةُ: «قَضَى بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي خِلَافَتِهِ» [رواه البخاري].

لَكِنْ هَذَا الْإِحْيَاءُ لَهُ شُرُوطٌ بِحَيْثُ يَقَعُ فِي الْإِطَارِ الَّذِي حَدَّدَهُ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ، وَفْقَ مَا تُنَظِّمُهُ الدَّوْلَةُ مِنْ قَوَانِينِ تَحْمِي بِهَا مِلْكِيَّتَهَا الْعَامَّةَ، وَإِلَّا فَمُخَالَفَةُ الْقَانُونِ تُعْتَبَرُ تَعَدِّيًا.

فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» [رواه مسلم].

رابعًا: الحثُّ على نظافةِ البيئةِ، وإماطةِ الأذى عنها:

أمَرَ الإسلامُ بنظافةِ الطُّرُقِ، وتمهيدِها، والحفاظِ عليها، وجعلَ ذلكَ من شُعَبِ الإيمانِ؛ فعن أبي هريرةَ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ – أو بضعٌ وستونَ – شعبةً، فأفضلُها قولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عنِ الطريقِ، والحياءُ شعبةٌ منَ الإيمانِ» [رواه مسلم].

وعن أبي هريرةَ، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: «لقد رأيتُ رجلًا يتقلَّبُ في الجنَّةِ، في شجرةٍ قطعَها من ظهرِ الطريقِ، كانت تؤذي الناسَ» [رواه مسلم].

وعن أبي ذرٍّ، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: «عُرِضَتْ عليَّ أعمالُ أمَّتي حسنُها وسيِّئُها، فوجدتُ في محاسنِ أعمالِها الأذى يُماطُ عنِ الطريقِ، ووجدتُ في مساوي أعمالِها النخاعةَ تكونُ في المسجدِ، لا تُدفنُ» [رواه مسلم].

خامسًا: حمايةُ الحيوانِ، والعنايةُ به: هو عنصرٌ مهمٌّ من نظامِ البيئةِ، والعنايةُ به من ناحيتين:

الأولى: الرِّفقُ به: عن سهلِ ابنِ الحنظليَّةِ، قالَ: مرَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ببعيرٍ قد لحقَ ظهرُهُ ببطنِهِ، فقالَ: «اتقوا اللهَ في هذه البهائمِ المُعجَمةِ، فاركبوها صالحةً، وكُلوها صالحةً» [رواه أبو داود].

كما نهى عن اللعبِ واللهوِ والتمثيلِ بالحيوانِ؛ عن ابنِ عمرَ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: «لعنَ اللهُ من مثَّلَ بالحيوانِ» [رواه البخاري].

الثانية: الحفاظُ على وجودِهِ وعدمِ انقراضِهِ: أمرَ الشارعُ الحكيمُ بالحفاظِ على الحيواناتِ، وحرَّمَ قتلَها إلَّا إذا كانت تؤذي الإنسانَ؛ فعن عائشةَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: «خمسُ فواسقَ يُقتلنَ في الحلِّ والحرمِ: الحيَّةُ، والكلبُ العقورُ، والغرابُ الأبقعُ، والحدأةُ، والفأرةُ» [رواه مسلم].

وذلكَ لتحقيقِ التوازنِ البيئيِّ، وحذَّر الإنسانَ من إفناءِ السُّلالاتِ الحيوانيّةِ أو انقراضِها في الطبيعةِ؛ فعن عبدِ اللهِ بنِ مغفَّلٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «لولا أنَّ الكلابَ أمَّةٌ منَ الأممِ لأمرتُ بقتلِها» [رواه أبو داود، والترمذي].

قالَ الإمامُ الخطَّابيُّ: (معناهُ: أنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ كرِهَ إفناءَ أمةٍ من الأممِ، وإعدامَ جيلٍ من الخلقِ حتى يأتي عليه كلُّه، فلا يبقى منه باقيةٌ؛ لأنَّه ما من خلقٍ للهِ تعالى إلَّا وفيهِ نوعٌ من الحكمةِ وضربٌ من المصلحةِ). أ.ه. [معالم السنن].

وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرو، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: «ما من إنسانٍ قتلَ عصفورًا فما فوقَها بغيرِ حقِّها، إلَّا سألَهُ اللهُ عنها»، قيلَ: يا رسولَ اللهِ، وما حقُّها؟ قالَ: «يذبحُها فيأكلُها، ولا يقطعُ رأسَها يرمي بها» [رواه النسائي].

قالَ الإمامُ البهوتيُّ الحنبليُّ: (وعلى مالكِ البهيمةِ إطعامُها، ولو عطبتْ أي: لم يُرجَ منه نفعٌ، وعليه سقيُها حتى تنتهي إلى أوّلِ شبعٍ، وأوّلِ ريٍّ دونَ غايتِها…، فإن عجز عن نفقتِها، أُجبِرَ على بيعٍ أو إجارةٍ، أو ذبحٍ مأكولٍ، إزالةً لضررِها وظُلمِها، ولأنَّها تتلفُ إذا تُركتْ بلا نفقةٍ، وإضاعةُ المالِ منهيٌّ عنه، فإن أبى فعلَ شيءٍ من ذلك، فعلَ الحاكمُ الأصلحَ من الثلاثةِ، أو اقترضَ عليهِ، وأنفقَ عليهِ، كما لو امتنع من أداءِ الدينِ…، ويحرُمُ حلبُها ما يضرُّ ولدَها؛ لأنَّ لبنَها مخلوقٌ لهُ أشبهَ ولدَ الأمةِ، ويُسنُّ للحلَّالِ أن يقصَّ أظفارَهُ؛ لئلا يجرحَ الضرعَ…، ولا يحلُّ حبسُ شيءٍ من البهائمِ؛ لتهلكَ جوعًا، أو عطشًا؛ لأنَّه تعذيبٌ). أ.ه. [كشاف القناع].

بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ دَعا إِلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى نَوْعِ الْحَيَوَانَاتِ، وَتَنَوُّعِهَا، فَإِذَا مَا هُجِّنَتِ اخْتَلَّتْ لِمَا لِكُلٍّ مِنْهَا مِنْ وَظَائِفَ، يُكَمِّلُ بَعْضُهَا بَعْضَ الْبِيئَةَ، وَدَخَلَ الْحَرَجُ وَالضِّيقُ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ.

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ …، وَأَنْ لَا نُنْزِيَ الْحِمَارَ عَلَى الْفَرَسِ» [رواه أبو داود].

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «أُهْدِيَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ بَغْلَةٌ، فَرَكِبَهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ حَمَلْنَا الْحَمِيرَ عَلَى الْخَيْلِ لَكَانَتْ لَنَا مِثْلَ هَذِهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ: «إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» [رواه النسائي، وأحمد].

(4) خُطُوَاتٌ عَمَلِيَّةٌ لِلْحِفَاظِ عَلَى الْبِيئَةِ:

الْعِنَايَةُ بِزِرَاعَةِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ: تَمُدُّنَا بِالْغِذَاءِ، وَالْهَوَاءِ النَّقِيِّ؛ فَهِيَ مَصْدَرٌ لِلْأُكْسِجِينِ، وَتُقَلِّلُ مِنْ انْبِعَاثَاتِ ثَانِي أُكْسِيدِ الْكَرْبُونِ؛ لِذَا الْحَدُّ مِنْ انْتِشَارِهَا فِيهِ تَهْدِيدٌ عَلَى الْبِيئَةِ؛ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنَ الطَّبِيعَةِ، وَلَهَا دَوْرٌ فَعَّالٌ فِي خَلْقِ تَوَازُنِ غَازَاتِ الْجَوِّ. وَنَحْنُ لَا نَزْرَعُ حَقِيقَةً، وَلَكِنَّنَا نَحْرُثُ الْأَرْضَ، وَنُعِدُّهَا لِلزَّرْعِ، أَمَّا الزَّارِعُ الْحَقِيقِيُّ فَهُوَ اللهُ، قالَ تعالى:

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 63-64].

وَقَدْ حَثَّنَا النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ عَلَى سَقْيِ الشَّجَرِ، وَصِيَانَتِهِ، وَتَعَهُّدِهِ بِإِزَالَةِ مَا يَضُرُّهُ؛ فَعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ يَقُولُ بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ: «مَنْ نَصَبَ شَجَرَةً فَصَبَرَ عَلَى حِفْظِهَا، وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا حَتَّى تُثْمِرَ، كَانَ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُصَابُ مِنْ ثَمَرِهَا صَدَقَةٌ عِنْدَ اللهِ» [رواه أحمد، والبيهقي في “شعب الإيمان”].

مَنْعُ الزَّحْفِ الْعُمْرَانِيِّ: حَيْثُ يَتَسَبَّبُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْمَسَاحَاتِ الْخَضْرَاءِ الَّتِي يَسْتَفِيدُ مِنْهَا الْإِنْسَانُ وَالْحَيَوَانُ وَالطَّيْرُ، فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي جَمَالِ الْبِيئَةِ، وَيُنَبِّهُ الْأَحَاسِيسَ الْجَامِدَةَ، وَالْقُلُوبَ الْمُغْلَقَةَ إِلَى بَدَائِعِ صُنْعِ اللهِ فِيهِ، قالَ تعالى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 99].

وَلِذَا حَرَّمَ قَطْعَ الْأَشْجَارِ أَوْ حَرْقَهَا إِلَّا لِمَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ مُلِحَّةٍ؛ فَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ: «لَا تَقْطَعُوا الشَّجَرَ، فَإِنَّهُ عِصْمَةٌ لِلْمَوَاشِي فِي الْجَدْبِ» [رواه عبد الرزاق في “المصنف”].

وَجَاءَ الْوَعِيدُ لِمَنْ قَطَعَ شَيْئًا يَنْتَفِعُ بِهِ الْخَلْقُ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُبْشِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ: «مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ» [رواه أبو داود].

الْحَدُّ مِنِ اسْتِخْدَامِ الْمَوَادِّ الْكِيمْيَائِيَّةِ الضَّارَّةِ: فَهِيَ تَتَسَرَّبُ لِلْهَوَاءِ، وَالْمَاءِ، وَالتُّرْبَةِ، وَمِنْ ثَمَّ تُصِيبُ الْإِنْسَانَ بِالْأَمْرَاضِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا يَقُومُ بِهِ بَعْضُ الْمُزَارِعِينَ مِنْ رَشِّ الْمُبِيدَاتِ وَالْكِيمَاوِيَّاتِ فِي غَيْرِ أَوَانِهَا؛ لِيَسْتَعْجِلُوا قَطْفَ الثِّمَارِ، وَكَذَا حَرْقُ مُخَلَّفَاتِ الزِّرَاعَةِ كَـ “الْبُوصِ” وَمَا يَنْتُجُ عَنْهُ مِنْ دُخَانٍ وَضِيقٍ فِي اسْتِنْشَاقِ الْهَوَاءِ، وَإِيذَاءِ الْمَارَّةِ وَالْمُقِيمِينَ، وَتَلَوُّثِ طَبَقَةِ الْهَوَاءِ الْجَوِّيِّ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُودٌ وَوَاقِعٌ، وَمُتَجَدِّدٌ كُلَّ مَوْسِمٍ وَحَصَادٍ.

تَطْبِيقًا لِقَاعِدَتَيِ “الضَّرَرُ يُزَالُ”، “الضَّرَرُ يُزَالُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ”: كُلُّ فَرْدٍ لَهُ مُطْلَقُ الْحُرِّيَّةِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا يَمْلِكُ إِذَا انْعَدَمَ الضَّرَرُ، فَإِذَا وَقَعَ ضَرَرٌ عَلَى الْغَيْرِ؛ فَلِلْحَاكِمِ الْحَقُّ فِي اتِّخَاذِ كُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحَدَّ أَوْ يُزِيلَ هَذَا الضَّرَرَ الَّذِي قَدْ يَلْحَقُ بِبَعْضِ مُكَوِّنَاتِ الْبِيئَةِ.

مُعَالَجَةُ التَّلَوُّثِ الْبِيئِيِّ، وَاسْتِغْلَالُهُ فِيمَا يُفِيدُ: أَجَازَ لَنَا الْإِسْلَامُ الِانْتِفَاعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “وَجَدَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ: «هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟» قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ: «إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» [رواه مسلم].

وَفِي هَذَا تَشْجِيعٌ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِكُلِّ مَا هُوَ حَوْلَنَا فِي الطَّبِيعَةِ، وَعَدَمِ تَرْكِهِ لِلتَّلَفِ، وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْحَثِّ عَلَى “الصِّنَاعَاتِ التَّحْوِيلِيَّةِ” الَّتِي تُعَالِجُ التَّلَوُّثَ الْبِيئِيَّ؛ فَلْيَحْرِصِ الْإِنْسَانُ عَلَى التَّعَامُلِ الْإِيجَابِيِّ مَعَ مُكَوِّنَاتِ هَذِهِ الْبِيئَةِ، تَعَامُلًا نَافِعًا لَهُ فَرْدًا وَجَمَاعَةً.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ الْعَمَلِ، وَفَضْلَ الْقَبُولِ، إِنَّهُ أَكْرَمُ مَسْؤُولٍ، وَأَعْظَمُ مَأْمُولٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ بَلَدَنَا مِصْرَ سَخَاءً رَخَاءً، أَمْنًا أَمَانًا، سِلْمًا سَلَامًا وَسَائِرَ بِلَادِ الْعَالَمِينَ، وَوَفَّقَ وُلَاةَ أُمُورِنَا لِمَا فِيهِ نَفْعُ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ.

كُتِبَهُ: الفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ الحَنَّانِ المَنَّانِ    د/ مَحْرُوسٌ رَمَضَانُ حِفْظِي عَبْدُ العَالِ

مُدَرِّسُ التَّفْسِيرِ وَعُلُومِ القُرْآنِ              كُلِّيَّةُ أُصُولِ الدِّينِ وَالدَّعْوَةِ أَسْيُوطُ

 

_____________________________________

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى